الثلاثاء، 26 أبريل 2016

اعتقاد الإمام ابن تيمية وموقف متأخري الحنابلة منه

بقلم الشيخ: محمد عبد الواحد الحنبلي الأزهري
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على عبده ورسوله سيدنا محمد وآله وصحبه، وبعد:
فقد كثر الكلام في هذه الأيام من بعض طلبة العلم والمتمذهبة بمذهب الحنابلة؛ على مذهب الحنابلة العقدي في باب الأسماء والصفات، وفي بعض مسائل الاعتقاد، التي يخالف فيها ابن تيمية ما يقرره الأشاعرة والمتكلمون، ودخل في هذا الكلام كثير من ذوي الأغراض غير العلمية، وتبعهم بعض محبي العلم من غير المحققين لهذه المسائل وما تنبني عليه، وكثر السؤال عن موقف متأخري الحنابلة من تقريرات شيخ الإسلام ابن تيمية العقدية، ومدى مخالفتهم وموافقتهم لتقريراته، وعن رضاهم بطريقته، فكتبت هذه النقاط، وأصلها تغريدات في تويتر، ثم زدت فيها وعدلت، والله الموفق لا رب سواه.
*
من المهم قبل الشروع في الكلام؛ الإشارة إلى تقرير، وهو: أن المذاهب الأربعة مذاهب فقهية، وليست طرقا عقدية، فلا ينسب لإمام المذهب طريقة في الاعتقاد أو السلوك لمجرد انتساب بعض أتباعه لها، أو تقريرهم بعض مبانيها..
فأبو حنيفة رحمه الله ليس معتزليا، وإن كان أساطين المعتزلة حنفية.
ولم يكن الشافعي رحمه الله أشعريا صوفيا لكثرة ذلك في متأخري أصحابه.
ومثل هذا يقال في سائر المذاهب.
فمن يزعم أن تقرير عالم من علماء الحنابلة أولى بنسبته لأحمد بن حنبل رحمه الله من تقرير غيره، بلا مرجح علمي= فهو مخطئ.
واختيارات أبي يعلى وأبي الخطاب وابن عقيل وابن الجوزي وابن الزاغوني وغيرهم ممن عاصرهم أو أتى بعدهم؛ ليس شيء منها أولى بالمذهب من حيث هي، ولا واحد من هؤلاء يمثل اعتقاده اعتقاد الإمام أحمد واختياراته اختياراته دون مخالفيه، إلا بمستند علمي.
*
أسهل شيء هنا؛ الدعاوى العريضة، والكلام المرسل، والدفع في الصدور، فيمكن أن يقال: إن ابن تيمية خالف كثيرا ممن قبله وخالفه من بعده، ولكننا لا نعدل به أحدا ممن أتى بعده..
ويمكننا أن نأخذ ثناء الأصحاب عليه وتزكيتهم له وإطباقهم على تقديمه والنقل عنه وتعظيمه والثناء على كتبه وأبحاثه مع شيوع ذم المخالفين له وتعصبهم ضده وضد أتباعه؛ حجة لنا في قبول كلامه وتقديمه على ما يمكن أن يقال إنه مخالف له من كلامهم، ونقول: المتأخرون لم يحققوا تلك المسائل، وشيخ الإسلام إمام في هذه الأبواب، فكلامه مقدم، وهو الممثل لمذهب أحمد في الحقيقة، وليس أحد ممن عاصره ولا من أتى بعده من أصحابنا أكثر تحقيقا للمقالات في أصول الدين واطلاعا على روايات أحمد والأئمة منه، ومن كان مثله أو قريبا منه وهم قليل؛ لم يطعن أحد منهم في اعتقاده ولا تقريراته..
ولكننا لن نفعل هذا، وإنما سنخلط حججنا بالرد على أهم حججهم، خصوصا مع عدم الوقوف على من رد هذه الحجج تفصيلا.
* احتج بعضهم على مخالفة المتأخرين لكثير من تقريرات الشيخ العقدية بشيوع كتب معينة في التدريس عند الحنابلة، فيها ما يخالف تقريرات ابن تيمية العقدية في عدد من المسائل؛ كالعين والأثر، ونهاية المبتدئين، ومختصره، والسفارينية، وأن هذه الكتب هي التي يدرسها الحنابلة ويأخذون منها اعتقادهم، دون كتب شيخ الإسلام العقدية، وفيها ما يخالف تقريراته..
-
والجواب عن ذلك أن يقال:
-
إن شيوع كتاب ما في التدريس في أي علم من العلوم؛ لا يدل على أن كل ما فيه هو المعتمد عند أرباب الفن وأصحاب المذهب.
وأمثلة هذا كثيرة جدا:
فمعتمدات التدريس في الفقه غير معتمدات الفتيا والقضاء.
فالزاد مثلا، ليس كل ما فيه معتمد المذهب، مع أن مؤلفه وكتابه الآخر الإقناع؛ عمدة المتأخرين.
وهذا ليس في الفقه فحسب؛ بل في الأصول واللغة وغيرهما من العلوم.
ولذلك فالورقات في الأصول، فيه ما فيه من قصور، وهو معتمد في التدريس، وشرحه كثير من العلماء، ومنهم من هو أشهر شراح المتون في المتأخرين، وكتبت عليه الحواشي الكبيرة والصغيرة.
والآجرومية فيه ما فيه من نقص، وهو كذلك في التدريس والعناية به.
وهكذا اللامية، والمقصود، في الصرف.
وهذا باب واسع.
فمن المغالطة أن يقال: إن كتاب عبد الباقي الحنبلي مثلا يمثل اعتقاد الحنابلة بكل ما فيه؛لمجرد شيوع تدريسه في حقبة ما، أو أقاليم معينة، ثم يعارَض بهذا إمام كابن تيمية، وترد تقريراته لمخالفة عبد الباقي وأضرابه إياها.
هذا لو سلمنا أن تقريرات عبد الباقي في معظم مسائل الاعتقاد وخصوصا الصفات تخالف تقريرات ابن تيمية، وإلا فهذا غير مسلم؛ بل هي توافقه غالبا، وخصوصا في مسائل الصفات وهي معقد الكلام هنا، وينقل عنه فيها، ويعتمد أقواله.
وهذا باب يحتاج ردا تفصيليا وعناية بالمقارنة، وليس هذا هو المقصود هنا، ولا التتبع لما حواه كتابه أو كتاب ابن حمدان من قبله أو ابن بلبان من بعده أو غيرها، وإنما الشأن أن نفس هذه المعارضة مسلك غير علمي.
*
ثم إذا قيل: المتأخرون خالفوا ابن تيمية في مسائل عقدية، فليس هو ممثلا لمذهب أحمد في الاعتقاد.
قلنا: بعد استصحاب ما قدمناه، ها هنا أمور:
أولا: رتبة ابن تيمية في المذهب وفي غيره؛ فوق رتبة كل من أتى بعده، باعترافهم أنفسهم، ولا يخالف في هذا شخص يدري ما يقول.
ومعرفة ابن تيمية بنصوص أحمد وهضمه لكلامه ومذهبه وطريقته وصدقه فيما ينقله؛ أمر لا يجادل فيه عاقل.
وإذا كان المرداوي ينتقد ابن منجا والحارثي لو خالفا الموفق في أمر متعلق بالنقل عن أحمد، ويقول: إن للموفق من الاطلاع ما ليس لهما، ويعتذر عن ابن مفلح بنظير ذلك ويسلم له اطلاعه الواسع..
وابن قندس يرد ما وُجد بخط أبي حفص، ويستعظم أن يخالف تقرير ابن تيمية في مسألة فقهية يسيرة كالسواك باليسرى لخطه أو خط غيره..
والخلوتي يعنف الحجاوي لاعتراضه على المرداوي=
فكيف يعارَض ما ينقله ابن تيمية بمتأخري المتأخرين هؤلاء، أن لو كانوا يعارضونه أو يخالفونه أصلا!
ومتى كان المذهب يتقرر بتقريرات عبد الباقي وحده أو ابن بلبان وأضرابهما؟
وأين النص منهم أو ممن يتقرر المذهب بتقريراتهم على مخالفة ابن تيمية؟
ولو قلتَ: إنهم اعتمدوا كتاب ابن حمدان وتقريراته؛ فابن حمدان على جلالته وُصفت أهم كتبه بعدم التحرير فكيف تقدم على تقريرات ابن تيمية؟!
ومجرد النقل عن كتاب لا يدل على اعتماد ما فيه كله، وقد نقل أصحابنا عمن لا يرتضون طريقتهم في الاعتقاد.
ثانيا: تعظيم هؤلاء المتأخرين لابن تيمية كما لم يعظموا معاصرا له ولا جائيا بعده= أمر مستفيض مشهور، وكتبهم غاصة بالثناء عليه وعلى ديانته، والتسليم بإمامته وسعة علومه ودرايته، والدفاع عنه، وذكر اختياراته، والاحتفاء بها، حتى مع مخالفتها معتمد المذهب في الفقه عندهم كثيرا، وتلقيبه بالشيخ بعد أن كان لقبَ الموفق عند من سبقهم، وغير ذلك كثير، وإضفاء ألقاب التفخيم والتبجيل عليه، وإفراد سيرته بمصنفات، والثناء على اعتقاده ونصرته مذهب السلف..
كل هذا مشهور مستفيض، وليس فيه منازع واحد من الحنابلة من وفاة ابن تيمية إلى زماننا.
ولم يقل أحد منهم: إن ابن تيمية خالف اعتقاد أحمد، أو نسب إليه ما لا تصح نسبته إليه، ولا حذروا من اختياراته ولا من شيء منها أصلا، بل من ألف في الاعتقاد منهم أثنى على الشيخ، ونقل عنه، فالسفاريني مثلا لم ينقل في شرح نظمه عن أحد ما نقل عن ابن تيمية، ثم ابن القيم، ولم ينتقد قولا لهما مرة واحدة، فكيف يفعل هذا هو والمتأخرون مع من يخالف اعتقاد أحمد لو صحت هذه المخالفة؟! وهل هذا منهم إلا تلبيس؟!
وما سطوة ابن تيمية وأتباعه في ذاك الزمان، وليس هناك وهابية ولا سعودية؟!
بل إن من عارض الوهابية من الحنابلة؛ كابن فيروز وابن حميد وابن سلوم وعثمان بن منصور= لم يعارض ابن تيمية وابن القيم، ولا طعن في اعتقادهما، ولا في اختياراتهما، مع انتساب الوهابية للشيخين وتعظيمهم لهما ودعواهم أن ما يقررونه هو أقوالهما.
فأين في كلام عالم حنبلي واحد من زمان ابن تيمية إلى زماننا: الطعن في الشيخ أو في اعتقاده أو علمه وإمامته أو صدقه في النقل عن أحمد؟!
ثالثا: المتأخرون الذين هم عمدة المذهب ليس لهم مؤلفات عقدية.
فلا ابن مفلح ولا المرداوي، ولا الفتوحي ولا الحجاوي، ولا البهوتي، لهم مؤلفات عقدية.
وكتبهم مليئة بما ذكرناه من تعظيم الشيخ والاحتفاء باختياراته والثناء على معتقده ومسلكه.
ومن بعدهم أو من عاصر بعضهم، لما ألف في الاعتقاد؛ فعل ما ذكرناه من النقل عن الشيخ وتعظيمه، وليس هناك حرف واحد في انتقاد اختيارات الشيخ واعتقاده.
رابعا: حين يقال: كتب المتأخرين العقدية -بعد من ذكرنا من كون كبار أئمتهم لم يؤلفوا في ذلك-؛ فمرعي وعبد الباقي وابن بلبان وعثمان والسفاريني وابن سلوم، لم يقع منهم إلا تعظيم الشيخ والنقل عنه، ولم ينتقدوه مرة واحدة، وبعضهم كعثمان يقرر كلامه بالحرف الواحد ولا ينقله عنه، والسفاريني قد ذكرت حاله، وابن سلوم اختصر شرح السفارينية وما خالف تقريرات الشيخ ولا نبه على المخالفة، وعبد الباقي نقل عن ابن تيمية، وتقريراته في الصفات لا تخالفه، ومرعي له من تعظيم الشيخ والثناء عليه وعلى اعتقاده وإمامته ما لم يقل مثله في أحد من أئمتنا؛ بل أفرد مصنفا في ترجمته والثناء عليه!
وهذا في باب الأسماء والصفات، وأما بعض مسائل، نحو التعليل والتحسين والتقبيح والقوة المودعة؛ فهم يصرحون في كتب الأصول بأن اختيار ابن تيمية فيها منسوب للمذهب؛ سواء خالفوه أو وافقوه، واختاره جمع من كبار أئمتنا قبل ابن تيمية، وابن تيمية يذكر فيها الخلاف بين أهل السنة وأهل الحديث!
لكن الكلام الأهم هو المتعلق بالصفات، وفيها ما ذكرته آنفا.
*
فالتحدي القائم الذي يعجز مخالفونا عن القيام أمامه والرد عليه؛ ليس أن ينقل كلام محتمل يقوله المتأخرون، هو في موضع النزاع، ويحتمل قولنا وقولهم..
ولا أن ينقل كلام لطائفة من المتقدمين يدل على أنهم مفوضة في بعض الصفات؛ فهذا محل اتفاق بيننا، ويقره ابن تيمية وكل منصف، ويصرح ابن تيمية بأن ذلك قول طائفة من المنتسبين لأهل السنة والحديث من الحنابلة وغيرهم..
ولا أن ينقل كلام عن بعض المتأخرين في ذم جدال المتكلمين والفلاسفة والتوسع معهم واستعمال جنس حججهم، فهذا أيضا ليس في محل الدعوى والمطالبة..
وإنما التحدي المذكور هو ما يلي:
١-المتأخرون قاطبة يعظمون ابن تيمية، ويثنون عليه، ويدافعون عنه، ويصفونه بشيخ الإسلام مع شيوع مخالفته من خصومه وذمهم له، ويأخذون بكثير من اختياراته وتقريراته، ويظهرونها، ويحتفون بها.
٢- عندنا ثناء مفصل من أئمة المتأخرين على اعتقاد الرجل ونصرته مذهب السلف على مذهب المتكلمين وقيامه بأعباء ذلك، وعندنا تبرئة له من البدع التي نسبه لها مخالفوه، ومن ذلك قول البهوتي في كشاف القناع ونحوه في حاشية الإقناع: 
شيخ الإسلام، بلا ريب، بحر العلوم النقلية والعقلية، أبو العباس أحمد تقي الدين بن عبد الحليم بن شيخ الإسلام مجد الدين أبي البركات عبد السلام بن أبي محمد عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن تيمية الحراني ... كان إماما مفردا، أثنى عليه الأعلام من معاصريه فمن بعدهم، وامتحن بمحن وخاض فيه أقوام حسدا، ونسبوه للبدع والتجسيم، وهو من ذلك بريء، وكان يرجح مذهب السلف على مذهب المتكلمين، فكان من أمره ما كان، وأيده الله عليهم بنصره، وقد ألف بعض العلماء في مناقبه وفضائله قديما وحديثا، رحمه الله، ونفعنا به. انتهى.
فإذا لم تكن هذه تزكية لطريقة الشيخ في الاعتقاد= فليس في الدنيا ما يدل على ذلك.
وإذا كان البهوتي يخالفه في أعظم مسائل الاعتقاد وهو ما يتعلق بالأسماء والصفات والكلام فيها إثباتا أو تفويضا أو تأويلا، فكيف يقول: إن ابن تيمية يرجح مذهب السلف على مذهب المتكلمين، وإن الله أيده عليهم؟!
وهل يخالف المتكلمون ابن تيمية لو كان يقول بالتفويض بالمعنى الذي ينسبونه هم للسلف؟!
٣- المتأخرون ينقلون خلاف ابن تيمية في كل مسألة له فيها قول يخالف المذهب؛ فقهية كانت أو أصولية أو اعتقادية، وقد نقلوا القولين في مسائل مثل: التحسين والتقبيح، والحكمة والتعليل، وأول واجب على المكلف، إلخ، وذكروا اختيار ابن تيمية فيها والقول الآخر..
أفيعقل أن يطبِقوا على عدم ذكر كلام ابن تيمية في الصفات وفهمه للتفويض المنسوب للسلف والأئمة، ثم يزكوا اعتقاده مع ذلك، وهم يفهمون أن تقريره في هذه المسألة العظيمة مخالف لتقريرهم، ومخالف لاعتقاد أحمد؟!
وأن يملأوا كتبهم العقدية بالنقل عنه، وبتقريراته، والثناء عليه، ثم لا ينبه واحد منهم على خطئه في الفهم، لا أقول: كذبه؛ بل: خطئه في تقرير مذهب أحمد؟! ولا ترى حرفا واحدا في الرد عليه ولو بدون تسميته، كأن يقال: "مذهب أحمد التفويض خلافا لما قرره بعض المتأخرين، أو خلافا لبعضهم، أو نحو ذلك"، كما فعل البهوتي في مسألة شد الرحل للزيارة؟!
أفيعقل هذا وكأن ابن تيمية لا كلام له هنا، ولم يملأ الدنيا بأبحاثه وردوده على المفوضة وذمهم؟!
وهل كان الأشاعرة يذمون الحنابلة ويرمون كثيرا منهم بالتجسيم لكونهم مفوضة، والأشاعرة يقولون: إن التفويض طريقة السلف، وإنها أسلم، ويقبلونها؟!
وهل حين يقال من جماعة من محققي الأشاعرة: إن فضلاء الحنابلة يخالفون جمهورهم، يمكن تقرير كون جمهور الحنابلة مفوضة؟!
-
فالحجة القائمة هنا: أن متأخري أصحابنا عظموا ابن تيمية، ولم يخطئوه في اختياراته العقدية، وإن خالفه بعضهم،
وبعضهم يقرر ما يقرره الشيخ؛ إما بلا نقل؛ كعثمان بن قائد في نجاة الخلف، فإنه قرر ما قرره ابن تيمية في التدمرية وغيرها من كتبه،
وإما بنقل عنه؛ كعبد الباقي في العين والأثر؛ فإنه رد على الأشعري تأويله الاستواء
ثم نقل كلام الإمام مالك المشهور،
ثم قال: وأما قوله: (والكيف مجهول= فالجهل بالكيف لا ينفي علم ما قد علم أصله، كما نقر بالله ونؤمن به ولا نعلم كيف هو)، ثم قال عبد الباقي: (أشار إلى ذلك ابن تيمية في بعض رسائله).
فانظر كيف احتج بابن تيمية في تقريره التفويض؟!
ولم يجئ حرف واحد عن معتبر بعد ابن تيمية يخطّئ فيه ابنَ تيمية في تقريره مذهب أحمد في الإثبات والتفويض،
بل السفاريني قد أكثر النقل عن ابن تيمية في هذا الموضع ونحوه ولم يتعقبه.
وأما معارضة تقريرات ابن تيمية بتقريرات ابن حمدان= فعجيب!
فابن تيمية المسلّم له سعة الاطلاع ومعرفته التامة بنصوص أحمد ورواياته، وأمانته في النقل ودقته في العزو، لم يقل أحد من أصحابنا فيه غير ذلك، ولم يقولوا في كتاب له: إنه غير محرر، مع كثرة كتبه جدا، وكونه يكتب كثيرا من حفظه، ومع ذلك فكل مصنفاته معتبرة محررة؛ بل ينقلون تقريره الفقهيات حتى من كتب كمنهاج السنة، فكيف يعارَض هذا ببعض تقارير ابن حمدان، الذي مع جلالته واستفادة الأصحاب منه ونقلهم الكثير عنه؛ قال فيه ابن مفلح في الفروع بعد نقل بعض كلامه:
(وهذا وأمثاله لا عبرة به،وإنما يؤخذ منهما -يعني: الرعايتين لابن حمدان- بما انفرد به بالتصريح، وكذا يقيد في موضع الإطلاق، ويطلق في موضع التقييد، ويسوي بين شيئين المعروف التفرقة بينهما، وعكسه، فلهذا وأمثاله حصل الخوف وعدم الاعتماد).انتهى
فهل قيل شيء من هذا في كتاب واحد لابن تيمية وللرجل مئات المصنفات؟!
أو قيل بعد نقل له أو تقرير:لا عبرة بكلامه!
فقد جعل الله لكل شيء قدرا، ولذا نقلت آنفا كلام ابن قندس في مسألة السواك باليسرى، وتعجبه: كيف يرد تقرير ابن تيمية لخط أبي حفص؟!
فمن رد تقارير ابن تيمية النحرير، بكلام ابن حمدان الذي وصفت كتبه بعدم التحرير= فهو مغالط.
وهذالا يمنع كما ذكرتُ: أن الأصحاب ينقلون عنه ويفيدون منه، لكن عند الترجيح والجلالة فلا مقارنة.
ويبقى أنه ما من إمام إلا وخالفه المتأخرون في بعض تقاريره، ودونك الخرقي وأبو يعلى وأبو الخطاب والمجد وابن قدامة وابن تيمية وابن رجب وابن مفلح والمرداوي نفسه.
فنفس المخالفة واستقرار المذهب على خلاف بعض آراء واحد من هؤلاء= لا إشكال فيه ولا مطعن؛
إذ معتمد المذهب أمر اصطلاحي، لا يعني خطأ خلافه، ولا يعني الطعن فيمن خالفه المتأخرون.
بل قد صرحوا أن كل واحد من هؤلاء ونحوهم إمام صاحب وجه ⁦⁦⁩ويصح تقليده.
وإنما المهم هنا: هل حين خالفوه؛ أنكروا عليه، أو بدعوه، أو لم يسوغوا خلافه؟
هذا ما لم يقع شيء منه مع ابن تيمية.
⁦⁩ بل إن أعظم ما يمكن انتقاد ابن تيمية فيه والزعم أنه خالف فيه المذاهب الأربعة أو خالف الإجماع، وهو اختياره في الطلاق الثلاث والحلف بالطلاق= جزم مرعي في الغاية بجواز تقليد ابن تيمية فيه، وهو قد خالف المذهب رأسا بل والمذاهب الأربعة كلها!
فأي شيء بعد هذامن الإجلال له؟!
-
وحينئذ فلا اعتماد كتاب فيه ما يخالف بعض تقاريره
ولا اختيار بعض المتأخرين خلاف الشيخ في مسائل= يؤثر في إمامته ورتبته واعتماد اختياراته ونقولاته.
*
وأما لماذا لم يدرسوا كتب ابن تيمية العقدية؟
فالجواب: أن اختيار كتاب ما للتدريس؛ له معايير تختلف عن معايير اعتماده للفتيا والقضاء وغير التدريس، كما بينت من قبل.
وكتب ابن تيمية كالواسطية والحموية والتدمرية؛ ليست كتبا شاملة لمسائل الاعتقاد كلها، بل منها ما هو فتيا، ومنها ما هو مخصوص بباب يستفيض فيه، وليس له كتاب يشمل أبواب الاعتقاد كلها، ومن كتبه ما هو كبير لا يمكن شرحه ولا يمكن عده كتابا تدريسيا.
فاعتماد التدريس له معايير مختلفة.
فليس الشأن: لماذا لم يدرسوا كتبه؟ 
وإنما الشأن: هل ردوا ما حوته كتبه أو انتقدوه أو انتقدوا كتبه؟
والجواب قد سبق ذكره تفصيلا.
* لم يكن شيخ الإسلام ابن تيمية شخصية عادية، أو ذات حضور يسير، أو أثر سهل فيمن تلقى عنه أو عاصره أو أتى بعده؛ بل كان ملء الدنيا وشغل الناس من حياته إلى يومنا هذا، فليس هو عالما عاديا؛ لا من حيث الشخصية، ولا الملكات، ولا التأله، ولا المصنفات، ولا التلاميذ، ولا المشروع المتكامل والرؤية الكلية، ولو كان هذا الرجل في أمة غير هذه الأمة لجعلوه قديسا، فهو أحد العباقرة الأفذاذ، والفلتات التي لا يجود الزمان بمثلها إلا نادرا!
وليس القصد هنا الترجمة للشيخ، ولا ذكر أثره الضارب بجذوره المغدق بثماره في عامة العلوم الشرعية وما تعلق بسبيلها، ولكن المقصود مزيد تجلية لأثره في مسيرة المذهب الحنبلي وعلى أئمة الحنابلة من بعده..
فأنت واجد حضوره قويا وذكره ظاهرا في طبقة متقدمة من تلامذته، وحتى من لهم منهم مخالفات عديدة لمشربه، كالطوفي، هذا غير وارث علومه ومهذبها ابن القيم، وأفقه تلامذته بل أحد أفذاذ فقهاء جيله ابن مفلح، والواحد من هؤلاء لن ترى ذكرا لأحد من مشايخه واختياراتهم في كتبه كما ترى ذكر شيخ الإسلام واختياراته، ثم تمرّ بالزركشي وابن اللحام وابن رجب وابن مفلح الحفيد والمرداوي، وغير هؤلاء من فحول علماء القرن الثامن والتاسع، ثم من بعدهم من علماء الحنابلة في القرون المتعاقبة لا يستثنَى من ذلك أحد، كلهم ينقل أقواله ويحتفي بها وإن خالفت المذهب، وكلهم يعظم الشيخ ويجله ويعترف له بالتقدم والإمامة الفذة، بما لم يحصل لمعاصر لابن تيمية ولا لأحد من شيوخه ولا تلامذته، ولا أحد ممن أتى بعده أصلا.
-
لكن اللافت للنظر هنا أمر:
أن على مدرسة شيخ الإسلام ومعظميه استقر المذهب، بحيث يمكن أن يقال هنا للشانئين والحاقدين؛ ما قاله سبط ابن العجمي المعروف بالبرهان المحدث للتقي الحصني -لما دخل التقي إلى حلب ولم يتوجه لزيارته لسبب ما، فتحامي قصده، فما وسع البرهان إلا المجيء إليه، فوجده نائما بالمدرسة الشرفية، فجلس حتى انتبه ثم سلم عليه، فقال له: لعلك التقي الحصني! فقال: أنا أبو بكر. ثم سأله عن شيوخه فسماهم له-، فقال له: (إن شيوخك الذين سميتهم هم عبيد ابن تيمية أو عبيد من أخذ عنه، فما بالك تحط أنت عليه)! فما وسع التقي إلاّ أن أخذ نعله وانصرف ولم يجسر يرد عليه!
ونفس هذا يقال لكل زاعم أنه حنبلي وفي نفسه شيء على ابن تيمية: وهل أحد ممن تأخذ المذهب من كتبهم من المتأخرين وتستكثر بأقوالهم إلا عبيد ابن تيمية أو من أخذ عنه!
ولذا قلت من قبل: إنه لا تصح حنبلية أحد حتى يعظم ابن تيمية ويصحح معتقده، وإلا كان دعيا، وهذا حتى لو خالفه في مسائل أصلية وفرعية، فما ادعى أحد أن ابن تيمية معصوم، وقد عارضه ابن رجب في مسائل، وفي توسعه في الرد على الفلاسفة والمتكلمين، وكذا فعل الذهبي، مع تعظيمهما التام له، ولم يقولا إنه ابتدع في اعتقاده، أو أخطأ فيما ينسبه لأحمد والأئمة، أو يقولا ما يقوله بعض الأغرار المعاصرين تلطفا: إن لوازم أقواله باطلة لكنه لم يلتزمها، وإنما هم يطنطنون ولا يفقهون لازما ولا ملزوما.
فالمقصود: أن هؤلاء الفحول من أئمة الحنابلة المعظمين للرجل المترجمين له الناقلين عنه المعتنين بأقواله؛ لم يأت عنهم حرف واحد في تخطئته عقديا ولا حتى باللازم من أقواله، ولا حذروا من قول عقدي له مطلقا، بل منهم من صرح كالبهوتي: أنه نصر مذهب السلف على مذهب المتكلمين وأيده الله عليهم وأنه بريء من البدع كلها، فأي شيء يراد بعد هذا؟!
ولنرجع إلى ما كنا نقرره، وهو أن مدرسة شيخ الإسلام من تلامذته وتلامذة تلامذته والمعظمين له والناقلين أقواله؛ هم من استقر المذهب عليهم وعلى ترجيحاتهم.
فالمنتهى والإقناع فرعان للمرداوي، وللإقناع مزيد توسع، ومؤلفه ينقل في متنه عن الشيخ كثيرا ولا يفعل هذا مع غيره، ويلقبه دون غيره بالشيخ، مع أن هذا اللقب كان قبله يقال للموفق ابن قدامة رحمه الله، وصاحب المنتهى يعتمد تقريرات هي للشيخ رحمه الله، كما يعلم ذلك من شروح المنتهى وحواشيه، وكذا يصنع البهوتي في شروحه كلها.
والعلاء المرداوي من أكثر الناس تعظيما للشيخ، ونقلا لأقواله بما ليس موجودا بيننا في مصنفات الشيخ المطبوعة كلها، وما من مسألة للشيخ فيها اختيار في الفروع ولا في الأصول إلا يذكره.
ثم لو نظرت في أهم عالم اعتمد عليه المرداوي في تصحيح المذهب فهو ابن مفلح، وهو تلميذ ابن تيمية المباشر، والمعظم له، والناقل لأقواله، والناشر لها في فروعه وأصوله وآدابه.
وكذلك ابن رجب وابن قندس، والأول فرع من فروع ابن تيمية، فهو تلميذ ابن القيم، وترجمته للشيخ حافلة، وإن خالفه في مسائل وانتصر للمذهب، فليس الكلام في المخالفة، بل هذه من مميزات ابن مفلح وابن رجب والمرداوي.
وحينئذ فالمذهب إنما استقر على كتب واختيارات وتصحيحات تلامذة الشيخ ومعظميه والناقلي أقواله.
*
ثم بعد كل ما ذكرناه؛ إن أصر مصر على أن المتأخرين خالفوا ابن تيمية في الاعتقاد، مع ما يلزم على ذلك من لوازم لا يدركها عقله:؛ فيقال له: وهل سوغوا خلافه فيما خالفوه فيه، أو أنكروه وبدعوه؟
والجواب قطعا: هو الأول.
فدارت طريقتهم بين موافقته وتسويغ خلافه، فكان ماذا؟!
وأي شيء بقي لشانئ أو منكِر أو من يرى بدعية أقوال الشيخ ولو باللازم؟!
فمن كان كذلك فليبحث له عن مذهب آخر فليس له عند الحنابلة مكان، ولو تمسح بما تمسح وتسمى بما تسمى وتلقب بما تلقب، فلا توضع فوق الرؤوس النعال، وليس يبغض ابن تيمية الرجال.
وفي هذا القدر كفاية، وإن كان المقام يستدعي مزيد تفصيل ونقولات.
والله يسلك بنا سبيل أئمتنا ويلحقنا بهم بمنه وكرمه ولا يجعل في قلوبنا غلا لهم.


الاثنين، 14 مارس 2016

مدى حاجة الفقيه إلى اللغة العربية 2

بقلم : الإمام العلامة    /عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه
أما الفقهاء فإن مدار اختلافاتهم في كثير من المسائل الفقهية يرجع إلى مسائل نحوية أو لغوية في مسائل الشروط والأيمان والاستثناء وألفاظ الشارع وألفاظ المكلفين في عقودهم وخصوصاً في قضايا الأوقاف والوصايا
ولهذا فقد ضمن محمد بن الحسن الشيباني كتابه الجامع الكبير في كتاب الأيمان منه مسائل فقهية تبني على أصول عربية لا تتضح إلا لمن له قدم راسخ. ومن مسائله الغامضة أنه لو قال:"أي عبيدي ضربك فهو حر فضربه الجميع عتقوا. ولو قال: أي عبيدي ضربته فهو حر، فضرب الجميع لم يعتق إلا الأول منهم". قال ابن يعيش موجهاً كلامه ذلك بأن الفعل في المسالة الأولى عام وفي الثانية خاص  [1]  .
وقد نبه الزمخشري على حاجة الفقيه إلى اللغة التي هي العلم بالكلم المفردة والإعراب التي هي اختلاف أواخرها لإبانة معانيها، قائلاً في تقريعه للشعوبية:"فإن صح ذلك فما بالهم لا يطلقون اللغة رأساً وإعراباً" إلى أن قال:"ولا يتكلموا في الاستثناء فإنه نحو وفي الفرق بين المعرف والمنكر فإنه نحو وفي التعريفين: تعريف الجنس والعهد فإنه نحو وفي الحروف كالواو والفاء وثم ولام الملك والتبعيض ونظائرها وفي الحذف والإضمار وفي أبواب الاختصار والتكرار وفي التطليق بالمصدر واسم الفعل وفي الفرق بين إن وأن وإذا ومتى وكلما وأشباهها مما يطول وكل ذلك نحو.
قال ابن يعيش شارحاً كلامه:"يشير – أي : الزمخشري – بذلك إلى شدة فاقة الفقية إلى معرفة العربية، ألا ترى أن الرجل إذا أقر فقال لفلان عندي مائة غير درهم يرفع غير يكون مقراً بالمائة كاملة لأن غير هنا صفة للمائة وصفتها لا تنقص شيئاً منها، وكذلك لو قال عليَّ مائة إلا درهم كان مقراً بالمائة كاملة؛ لأن إلا تكون وصفاً كغير. قال تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا...} (الأنبياء: 22)، ولو قال له عندي مائة غير درهم أو إلا درهماً بالنصب، لكان مقراً بتسعة وتسعين درهماً لأنه استثناء والاستثناء إخراج ما بعد حرف الاستثناء من أن يتناوله الأول، وكذلك لو قال ماله عليَّ مائة إلا درهمين لم يلزمه شيء، كما لو قال ماله عليَّ ثمانية وتسعون درهماً، ولو رفع فقال: ماله عندي مائة إلا درهمان لكان مقراً بدرهمين والمسائل في ذلك كثيرة . ومن ذلك لو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، فإنه لا يقع الطلاق إلا بدخول تلك الدار المعينة، ولو قال: إن دخلت داراً فأنت طالق، وقع الطلاق بدخول أي دار دخلتها، لأنه علق الطلاق بدخول دار منكورة ولشياعها تعم، وفي الأول علق الطلاق بدخول دار معهودة فلا يقع الطلاق إلا بدخولها. أما الفرق بين لام العهد ولام الجنس فمن جهة المعنى وأما اللفظ فشيء واحد وذلك أنك إذا قلت الرجل وأردت العهد فإنه يخص واحداً بعينه، ومعنى العهد أن تكون مع إنسان في حديث عن ثالث غائب ثم يقبل الرجل فتقول وافي الرجل أي الذي كنا في حديثه وذكره قد أوفى. وأن أردت تعريف الجنس فإنه يدل على العموم والكثرة ولا يكون مخبراً عن إحاطة بجميع الجنس لأن ذلك معتذر غير ممكن فإذا قلت العسل حلو والخل حامض فإنما معناه العسل الشائع في الدنيا المعروف بالعقل دون حاسة المشاهدة حلو، وكذلك الخل والذي يدل على أن الألف واللام إذا أريد بهما الجنس تعمان قوله تعالى:{إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ...} (العصر: 2-3)، فصحة الاستثناء من الإنسان تدل على أن المراد به الجماعة ومن ذلك حروف العطف نحو الواو والفاء وثم فإن الواو معناها الجمع المطلق من غير ترتيب والفاء تدل على أن الثاني بعد الأول بلا مهلة، وثم كذلك إلا أن بينهما تراخياً، فعلى هذا إذا قال لزوجته: أنت طالق إن دخلت الدار، وكلمتك فهذه تطلق بوقوع الفعلين جميعاً بدخول الدار والكلام لا تطلق بأحدهما دون الآخر، فإن دخلت الدار ولم يكلمها لم تطلق وإن كلمها ولم تدخل الدار لم تطلق، ولكن إذا جمع بينهما طلقت ولا يبالي بأيهما بدأ بالكلام أم بالدخول، أي ذلك بدأ به وقع الطلاق بعد أن يجمع بينهما لأن المعطوف بالواو يجوز أن يقع آخره قبل أوله ألا ترى أنك تقول رأيت زيداً فيجوز أن يكون عمرو في الرؤية قبل زيد، قال الله تعالى:{...وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} (آل عمران: 43). وكذلك إن قال لخادمه إن دخلت الدار وكلمت زيداً فأنت حر، فإن قال ذلك لا يقع إلا بوقوع الفعلين جميعاً كيف وقعا ولا فرق فيه بين وقوع الأول قبل الثاني أو الثاني قبل الأول في اللفظ، ولو قال ذلك بثم لكان في الترتيب مثل الفاء إلا أنه يكون بينهما تمادٍ وتراخٍ، ومن ذلك حروف الجر نحو من واللام فإن الرجل إذا حلف وقال : والله لا آكل من طعام زيد، فإنه يحنث بأكل اليسير منه، ولو قال لا آكل طعام زيد فإنه لا يحنث إلا بأكل الجميع، وكذلك لو كان عنده فقال: هو لزيد بفتح اللام والرفع لم يلزمه شيء، ولو قال لزيد: بكسر اللام والخفض لكان مقراً له به؛ لان اللام إذا فتحها كانت تأكيداً وكان مخبراً أن الخادم اسمه زيد. وإذا كسر اللام كانت لام الملك الخافضة وكان مخبراً أنه ملكه... ومن ذلك مسائل الطلاق إذا قال: أنت طالق طلقت منه وإن لم ينو ولو أتى بلفظ المصدر فقال: أنت طلاق لم يقع الطلاق إلا بنيته؛ لأنه ليس بصريح إنما هو كناية على إرادة إيقاع المصدر موقع اسم الفاعل على حد ماء غور، أي: غائر. ومنهم من يجعله صريحاً يقع به الطلاق من غير نية كاسم الفاعل لكثرة إيقاع المصدر موقع اسم الفاعل وكثرة استعماله في الطلاق حتى صار ظاهراً فيه... ومن ذلك الفرق بين أن المكسورة مخفضة وبين المفتوحة، وذلك أن المكسورة معناها الشرط والمفتوحة معناها الغرض والعلة، ولو قال أنت طالق إن دخلت الدار لم يقع الطلاق حتى تدخل الدار؛ لأن معنى تعليق الشيء على شرط هو وقوف دخوله في الوجود على دخول غيره في الوجود ولو فتح لكانت طلاقاً في الحال؛ لأن المعنى أنت طالق إن دخلت الدار أي من أجل أن دخلت الدار، فصار دخول الدار علة طلاقها لا شرطاً في وقوع طلاقها كما كان في المكسورة وكذلك لو شدد أن يقع الطلاق في الحال كانت دخلت الدار أو لم تكن ومن ذلك إذا ومتى وكلما تستعمل في الشرط كما تستعمل إن، إلا أن الفرق بين هذه الأشياء وبين إنَّ أنَّ إنْ تعلق فعلاً بفعل، وإذا وكلما للزمان المعين، فإذا قال: أنت طالق إن دخلت الدار، أو قال: أنت طالق إذا دخلت الدار لم تطلق حتى تدخل الدار، أما إن فشرط لا يقع الطلاق إلا بوجود ما بعدها، أما إذا فوقت مستقبل فيه معنى الشرط فكأنه قال: أنت طالق إذا جاء وقت كذا وكذا، فهي تطلق وقت دخول الدار فقد استوت إن وإذا في هذا الموضع في وقوع الطلاق وتفترقان في موضع آخر، فلو قال: إذا لم أطلقك أو متى لم أطلقك فأنت طالق، وقع الطلاق على الفور بمضي زمان يمكن أن تطلق فيه ولم تطلق، ولو قال: إن لم أطلقك فأنت طالق، كان كأنه على التراخي يمتد إلى حين موت أحدهما، وذلك لأن إذا ومتى اسمان لزمان المستقبل ومعناهما أي وقت. ولهذا تقع جواباً عن السؤال عن الوقت، فإذا قيل متى ألقاك؟ فيقال: إذا شئت كما تقول يوم الجمعة أو يوم السبت ونحوهما وليست كذلك إن ترى أنه لو قيل متى ألقاك لم يقل في جوابه إن شئت وإنما تستعمل إن في الفعل، ولهذا يجاب بها عن السؤال عن الفعل، فإذا قيل: هل تأتيني؟ فيقال في الجواب: إن شئت ومتى حالها كحال إذا في أنها للزمان وليس في هذه الكلم ما يقتضي التكرار إلا كلما، وذلك انك إذا قلت كلما دخلت الدار فأنت طالق طلقت بكل دخول إلى أن ينهي عدد الطلاق؛ لأن ما من كلما مع ما بعده مصدر، فإذا قال: كلما دخلت فمعناه كل دخول يوجد منك فأنت طالق وكل معناه الإحاطة والعموم فلذلك يتناول كل دخول  [2].
وهذا كلام جيد نقلته على طوله للتدليل على أهمية اللغة والنحو للفقيه وهو طل دون وبل، وغيض من فيض.
الهوامش والمراجع


[1] - شرح المفصل، لابن يعيش ج1 ص14.

[2] - راجع أبي يحيى على المفصل، ج1 ص11-13.

الأربعاء، 24 فبراير 2016

مدى حاجة الفقيه إلى اللغة العربية 1

بقلم : الإمام العلامة    /عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه
مدخل
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه.
هذا العنوان اخترناه لتنبيه المهتدين باستنباط الأحكام من الكتاب والسنة والمتصدرين للقضاء والفتوى وأساتذة الجامعات إلى أهمية إتقان اللغة العربية كإتقان مصطلح الحديث أو أصول الفقه، وهذا المقال أيضاً إهابة بطلبة الدراسات الإسلامية وكليات الشريعة الذين قد يظن بعضهم أن اللغة العربية هي شأن طلاب كلية اللغة أو كلية الآداب، نهيب بأولئك ليعطوا اللغة العربية من العناية ما تستحق، فهي شرط أساسي ومفتاح ضروري لفتح أبواب الشريعة إذ بدون معرفتها تلتبس عليهم الوجوه وتلتوي بهم السبل، ويحزون في غير مفصل ويفزعون إلى غير معقل، لأن القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ}(الشعراء: 192-195)، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا...} (الشورى: 7)، وقال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (الزخرف: 3). إلى غير ذلك من الآيات التي تشير إلى عربية القرآن ولا أقول عروبية، فالقرآن هو رباني المبدأ، عالمي التطبيق. قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا...} (سبأ: 28)، فليس دعوة لأقوام عن أقوام، ولا لزمان عن زمان. قال النبي – صلى الله عليه وسلم – "وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الأحمر والأسود"  [1]، وإنه لشرف للعرب أن تنزل الرسالة الخاتمة بلسانهم وتكون مسؤولية يتحملها مؤمنهم ليبين للناس ما نزل من هذا الدين خير بيان، وحجة على كافرهم حيث بلغته الرسالة أحسن البلاغ، وفي البحث الذي نقدمه بلاغ وبيان لطلبة العلم .
أهمية الخطاب الملفوظ:
وكمقدمة لما نحن بصدده نقول إن الشريعة تتلقَّى عن الشارع من ثلاثة طرق:
الأول: القول، الثاني: الفعل، الثالث: الإقرار[2].
أما القول فهو أن يقول الشارع افعل أو لا تفعل وهو شامل لما دلَّ عليه في محل النطق وهو المنطوق والنص والظاهر. ويشمل دلالة الاقتضاء ودلالة الإشارة على الأصح. وما دلَّ عليه لا في محل النطق وهو المفهوم الذي ينقسم على مفهوم موافقة ومفهوم مخالفة[3].
أما الفعل، فهو أفعال النبي – صلى الله عليه وسلم – حيث إنها تكون تارة بياناً للأقوال، فتنزل منزلتها على الصحيح، فإذا كان الفعل بياناً لقول واجب كأفعال الحج كان واجباً وإذا كان بياناً لمندوب كان مندوباً، وإذا كان بياناً لجائز كان جائزاً على خلاف بين الأصوليين في التفاصيل إذا لم يكن بياناً لقول فيختلف في دلالته بين قائل بالوقف لأنه لا صيغة له وبين قائل بدلالته على الإباحة فيما ليس من جنس القرب وعلى الندب فيما هو من جنسها[4].
أما الإقرار فهو أن يقر النبي – صلى الله عليه وسلم – غيره على قول أو فعل بحضرته أو في مكان يبلغه فلم نكره فيدل على الجواز.
مهما يكن من خلاف في الحكم الذي ينبغي أن يوصف به الفعل والإقرار، فإن الفعل والإقرار يرجعان إلى قول ولو لم يكن قول الشارع فهو قول راوٍ لحادثة من الحوادث كقول لراوي وهو عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما -:"قضى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالشاهد واليمين"[5]، وكقول عمران بن حصين – رضي الله عنه – فيما يروي أبو داوود:"سهى النبي – صلى الله عليه وسلم – فسجد"[6].
فهذه الحكايات وإن كان الأصوليون قد اختلفوا في درجة وضعها من حيث المدلول هل يعطى لها ما يعطى لكلام الشارع، فقالوا في الأول في مبحث العموم هل يعم أو لا يعم، قالوا في الثاني إن التعقيب بالفاء يدل على العلية في كلام الشارع والراوي.
المراد بهذه المقدمة أن الشريعة ترجع إلى كلام وهذا الكلام جاء بلغة عربية سواء كان لفظاً للشارع أو حكاية لفعله أو تقريره. باعتبار آخر فإن الذي يتعامل مع النصوص الشرعية لاستخراج الأحكام وتقرير المسائل فإنه يتعامل معها على أساسين لا ثالث لهما، النصوص والمقاصد.
أما الأساس الأول فما يفهم من اللفظ، سواء فهم في محل النطق وهو المنطوق أو فهم لا في محل النطق وهو المفهوم بشقيه على ما أسلفنا وهذا الجانب يرجع فيه حتماً إلى اللغة.
أما الأساس الثاني فهو المقاصد وهي لا تفتقر إلى اللغة افتقار الألفاظ إليها بل ترجع إلى حكمة التشريع ومعقولية النص وإلى جانب المصالح ودرء المفاسد، وهذا الأساس الثاني من ركائز الاجتهاد، وتدخل فيه أدلة كثيرة: القياس، والاستحسان وسد الذرائع، والمصالح المرسلة التي تنبني على المقاصد وهي ثلاثة: الضروري والحاجي والتكميلي أو التحسيني.
ويؤيد ما ذكرنا قول الشاطبي:"الاجتهاد إن تعلق بالاستنباط من النصوص فلابد من اشتراط العلم بالعربية وإن تعلق بالمعاني من المصالح والمفاسد مجردة عن اقتضاء النصوص لها أو مسلمة من صاحب الاجته9اد في النصوص فلا يلزم في ذلك العلم بالعربية وإنما يلزم العلم بمقاصد الشرع من الشريعة جملة وتفصيلاً". وأطال النفس في الاستشهاد، وقد نبه المعلق الشيخ عبد الله دراز إلى احتياج المقاصد أيضاً للغة العربية ومهما يكن من أمر فإن احتياج الأساس الأول إلى العربية لا خلاف فيه.
وهذه المكانة التي تحتلها اللغة العربية في خطاب الشرع جعلت السلف الصالح يهتم باللغة اهتماماً بالغاً: ويعيرها عناية فائقةً، فيحدِّثنا التاريخ عن الوقائع ذات مغزى عميق ولكنها طريفة في نفس الوقت.
فمن ذلك ما ذكره ابن يعيش في شرحه للمفصل من أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه – ورد عليه كتاب من أبي موسى الأشعري وكان قاضياً له بالكوفة وقد صُدِّر الكتاب بعبارة:"من أبو موسى إلى أمير المؤمنين"، برفع أبو، وكان لأبي موسى كاتب لا يحسن اللغة حيث لم يضع الياء علامة الجر موضع الواو علامة الرفع في الأسماء الخمسة. فلما ورد الكتاب على أمير المؤمنين عمر لفت انتباهه هذا اللحن ولعله اغتاظ للعواقب التي ستحيق بهذه اللغة إذا استمر الأمر على هذه الوتيرة، فما كان منه غلا أن كتب إلى أبي موسى يأمره بضرب كاتبه سوطاً وأن يعزله عن وظيفة الكتابة[7]. إنه تأديب شديد يلحق بموظف فينهي خدمته، ويمسه بلهيب السوط من إمام ملاء الدنيا عدلاً وبذ الحكام فضلاً، هل انتهكت حرمة الشريعة حتى يغضب عمر؟ هل حدثت بدعة في الدين حتى يرفع السوط؟ حقاً إن تلك المعاني لم تكن غائبة عن ذهن عمر، فعلاقة الشريعة باللغة أكيدة والابتداع قادم إذا لم تستقم الألسنة والأقلام.
ونجد الخليفة الاول ابا بكر الصديق – رضي الله عنه – يأسف للحن العامة وعدم دقتهم في استعمال أوجه الكلام حيث جاء في ربيع الأبرار "أن أبا بكر الصديق – رضي الله عنه – مرَّ برجل يقال له أبو لفاقة في يده ثوب فقال له الصديق – رضي الله عنه – أتبيع هذا الثوب؟ فقال لا رحمك الله، فقال الصديق قد قومت ألسنتكم لو تستقيمون، لا تقل هكذا قل لا ورحمك الله"[8]. لأن الفصل أي: ترك الواو يوهم الدعاء عليه لا له. ومقتضى الأدب والذوق السليم وفقه اللغة يوجب إدخال الواو بين النفي الذي يمثل جملة خبرية وبين الدعاء الذي هو جملة إنشائية وردت بصيغة الخبر ويسمى إدخال الواو بينهما وصلاً.
وذلك يدل أيضاً على أن تقويم الألسنة من مهمات خليفة المسلمين. وبلغ اهتمامهم به أن أمير المؤمنين علياً – رضي الله عنه - علم أبا الأسود الدؤلي الاسم والفعل وأبواباً من العربية قائلاً:"انح هذا النحو"، فكان ذلك أصل النحو على قول، وقيل إن أصل النحو يوناني ومنه يوحنا الإسكندراني هكذا يقول الأزهري. قال ابن سيدة فقال:"إنه من انتحاه إذا قصده لأنه انتحاء سَمْت كلام العرب في تصرفه من إعراب وتثنية وجمع وتحقير وتكسير"، وكلام ابن سيدة هو الظاهر عند كثير من النحاة[9].
وتحتفظ ذاكرة كتب الشريعة والفقه بقصص لا تقل طرافة وظرفاً تقع بمحضر الخلفاء، بين الفقهاء والنحاة. فمن ذلك ما وقع بين الكسائي القارىء النحوي وأبي يوسف القاضي صاحب أبي حنيقة – رحمهما الله – حيث تحدى الكسائي أبا يوسف قائلاً هل لك في مسالة؟ ويستفهم أبو يوسف عن طبيعة المسألة نحو أم فقه؟ فيقول الكسائي فقه فيضحك الخليفة الرشيد حتى يفحص برجله كما تقول الرواية استغراباً لهذه الدعوى. لكن الكسائي يبادر موجهاً خطابه إلى أبي يوسف ما تقول في رجل قال لزوجته: أنت طالق أن دخلت الدار. وفتح الهمزة فقال أبو يوسف تطلق إذا دخلت الدار. فقال الكسائي: - وقد أمكنت رميته فلم تشو – أخطأت قد طلقت امرأته، ذلك لأن الزوج في هذا لم يعلق الطلاق وإنما علله بأن المفتوحة المصدرية كأنه قال أنت طالق من أجل دخولك الدار، فعجب أبو يوسف وصار يتردد على الكسائي.
يعلق الشاطبي على ذلك قائلاً:"هذه المسالة جارية على أصل لغوي لا بد من البناء عليه في العلمين"[10].
ويجري هذا المجراى سؤال الرشيد لأبي يوسف عما يترتب على الرفع والنصب في لفظي: عزيمة وثلاث ، في قول الشاعر:
فإن ترفقي يا هند فالرفق أيمن ***  وإن تخرقي يا هند فالخرق أشأم
فأنت طلاق والطلاق عزيمة***  ثلاث ومن يخرق أعق وأظلم
فما على هذا القائل إذ نصب ثلاث أو رفعها – مع ملاحظة أن رفع عزيمة او نصبها سيدور في اتجاه معاكس حتماً – فقال أبو يوسف: " وهو يقلب رسالة الخليفة هذه مسالة فقهية نحوية فلا آمن الخطأ فيها إذا قلت برأي، فذهب إلى الكسائي وهو في فراشه فأجابه بأنه في حالة نصب ثلاث تطلق ثلاثاً وفي حالة الرفع تطلق واحدة.
وتأويل ذلك أنها في حالة النصب تكون تمييزاً للطلاق المنبهم في جملة فأنت طلاق، وفي حالة الرفع مع نصب عزيمة، تكون خبراً للطلاق وهو مبتدأ في الجملة الثانية فكتب أبو يوسف الجواب للخليفة فأعجبه وبعث إليه بهدية فأرسلها أبو يوسف إلى الكسائي[11]. وفي البيت أوجه أخرى يمكن الاطلاع عليها في مغني اللبيب لا بن هشام وغيره.
وأهمية اللغة والنحو جعلت بعض النحاة يتصدر للفتوى فيقول أبو عمر الجرمي:"إنه يفتي من كتاب سيبويه منذ كذا سنة"، وكتاب سيبويه كما هو معروف في النحو وليس في الفقه، وتأويل بعضهم كلامه على انه كان يعرف الحديث وأن كتاب سيبويه كان يوضح له أساليب العرب ولطائف لغتها[12].
الهوامش والمراجع


[1] - رواه الشيخان والنسائي، جمع الفوائد ص277.
[2] - بداية المجتهد، لابن رشد، ج1 ص1، ومختصر الروضة للطوفي، ج2 ص62.
[3] - نشر البنود على مراقي السعود، ج1 ص89 وما بعدها.
[4] - بداية المجتهد، ج1 ص3.
[5] - أخرجه مسلم، ج5 ص128، وأبو داوود(3608).
[6] - رواه أبو داوود، 1039والترمذي، 2/241، الضياء اللامع لابن حلول، ج3 ص6.
[7] - شرح المفصل، لابن يعيش ج2 ص 95.
[8] - شرح عقود الجمان، للسيوطي، ص63.
[9] - تاج العروس، لزبيدي، ج10 ص360.
[10] - الموافقات، ج1 ص84، وهو منقول عنه بتصرف.
[11] - مغني اللبيب، لابن هشام ج1 ص53.

[12] - شرح مختصر الروضة، لطوفي ج3 ص39.